saber Admin
المساهمات : 170 تاريخ التسجيل : 03/08/2008
| موضوع: الاعجاز في مفهومه الجمعة سبتمبر 18, 2009 5:30 pm | |
| الإعجاز: مصدر مزيد فيه من (عجز) إذا لم يستطع أمراً، ضد (قدر) إذا تمكن منه. يقال: أعجزه الأمر، إذا حاول القيام به فلم تسعه قدرته وأعجزت فلاناً: إذا وجدته عاجزاً أو جعلته عاجزاً. والمعجزة ـ في مصطلحهم ـ تطلق على كل أمر خارق للعادة، إذا قرن بالتحدي وسلم عن المعارضة، يظهره الله على يد أنبيائه ليكون دليلاً على صدق رسالتهم. وهي تتنوع حسب تنوع الأمم المرسل إليهم في المواهب والمعطيات، فتتناسب مع مستوى رقيهم في مدارج اكمال، فمن غليظ شديد إلى رقيق مرهفن ومن قريب مشهود إلى دقيق بعيد الآفاق. وهكذا كلما تقادمت الأمم في الثقافة والحضارة فإن المعاجز المعروضة عليهم من قبل الأنبياء (ع) ترق وتلطف، وكانت آخر المعاجز رقة ولطفاً هي أرقاها نمطاً وأعلاها أسلوباً، ألا وهي معجزة الإسلام الخالدة، عرضت على البشرية جمعاء مع الأبد، مهما ارتقت وتصاعدت في آفاق الكمال، الأمر الذي يتناسب مع خلود شريعة الإسلام. ولقد صعب على العرب ـ يومذاك وهم على البداوة الأولى ـ تحمل عبء القرآن الثقيل، فلم يطيقوه. ومن ثم تمنوا لو يبدل إلى قرآن غير هذا، ومعجزة أخرى لا تكون من قبيل الكلام: (قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ). إنها لم تكن معجزة للعرب فقط، وإنما هي معجزة للبشرية عبر الخلود، لكن أنى لأمة جهلاء أن تلمس تلك الحقيقة وأن تدرك تلك الواقعية سوى أنها اقترحت عن سفه: أن يفجر لهم من الأرض ينبوعاً، أو تكون له جنة من نخيل وعنب ويفجر الأنهار خلالها تفجيراً، أو يسقط السماء عليهم كسفاً، أو يأتي بالله والملائكة قبيلاً، أو يكون له بيت من زخرف أو يرقى في السماء، ولا يؤمنوا لرقيه حتى ينزل عليهم كتاباً يقرؤونه... وقد عجب النبي (ص) من مقترحه ذلك التافه الساقط، مما يتناسب ومستواهم الجاهلي، ومن ثم رفض اقتراحهم ذاك (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً). أي ليس هذا من شأنكم وإنما هي حكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير. قال الراغب الاصفهاني: المعجزات التي أتى بها الأنبياء (ع) ضربان: حسي وعقلي: فالحسي: ما يدرك بالبصر، كناقة صالح، وطوفان نوح، ونار إبراهيم، وعصا موسى (ع). والعقلي: ما يدرك بالبصيرة، كالإخبار عن الغيب تعريضاً وتصريحاً، والإتيان بحقائق العلوم التي حصلت عن غير تعلم. فأما الحسي: فيشترك في إدراكه العامة والخاصة، وهو أوقع عند طبقات العامة، وآخذ بمجامع قلوبهم، وأسرع لإدراكهم، إلا أنه لا يكاد يفرق ـ بين ما يكون معجزة في الحقيقة، وبين ما يكون كهانة أو شعبذة أو سحراً، أو سبباً اتفاقياً، أو مواطأة، أو احتيالاً هندسياً، أو تمويهاً وافتعالاً ـ إلا ذو سعة في العلوم التي يعرف بها هذه الأشياء. وأما العقلي: فيختص بإدراكه كملة الخواص من ذوي العقول الراجحة، والأفهام الثاقبة، والروية المتناهية، الذين يغنيهم، إدراك الحق. وجعل تعالى أكثر معجزات بني إسرائيل حسياً لبلادتهم، وقلة بصيرتهم، وأكثر معجزات هذه الأمة عقلياً لذكائهم وكمال أفهامهم التي صاروا بها كالأنبياء. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (كادت أمتي تكون أنبياء). ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على وجه الدهر غير معرضة للنسخ، وكانت العقليات باقية غير متبدلة جعل أكثر معجزاتها مثلها باقية. وما أتى به النبي (ص) من معجزاته الحسية، كتسبيح الحصا في يده، ومكالمة الذئب له، ومجيء الشجرة إليه فقد حواها وأحصاها أصحاب الحديث. وأما العقليات: فمن تفكر فيما أور6ه (ع) من الحكم التي قصرت عن بعضها أفهام حكماء الأمم بأوجز عبارة اطلع على أشياء عجيبة. ومما خصه الله تعالى به من المعجزات القرآن: وهو آية حسية عقلية صامتة ناطقة باقية على الدهر مبثوثة في الأرض، ولذلك قال تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين. أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) ودعاهم ليلاً ونهاراً مع كونهم أولي بسطة في البيان إلى معارضته، بنحو قوله (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله. وادعوا شهداءكم من دون الله) وفي موضع آخر: (وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وقال: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً). فجعل عجزهم علماً للرسالة، فلو قدروا ما أقصروا، إذ قد بذلوا أرواحهم في إطفاء نوره وتوهين أمره، فلما رأيناهم تارة يقولون: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوافيه) وتارة يقولون: (لو نشاء لقلنا مثل هذا)، وتارة يصفونه بأنه (أساطير الأولين) وتارة يقولون: (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) وتارة يقولون: (إئت بقرآن غير هذا أو بدله) كل ذلك عجزاً عن الإتيان بمثله، علمنا قصورهم عنه، ومحال أن يقال: إنه عورض فلم ينقل فالنفوس مهتزة لنقل ما دق وجل. وقد رأينا كتباً كثيرة صنفت في الطعن على الإسلام قد نقلت وتدوولت. | ويمتاز القرآن على سائر المعاجز بأنه يضم إلى جانب كونه معجزاً جانب كونه كتاب تشريع، فقد قرن التشريع بإعجاز ووحد بينهما |، فكانت دعوة يرافقها شهادة من ذاتها، دل على ذاته بذاته. قال العلامة ابن خلدون: اعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة القرآن الكريم المنزل على نبينا محمد (ص).. فإن الخوارق في الغالب تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي ويأتي بالمعزة شاهدة بصدقه، والقرآن هو بنفسه الوحي المدعى، وهو الخارق المعجز فشاهده في عينه ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي، فهو أوضح دلالة، لاتحاد الدليل والمدلول فيه. قال: وهذا معنى قوله (ص): (ما من نبي من الأنبياء إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحي إليّ، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة). يشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح وقوة الدلالة، وهو كونها نفس الوحي، كان الصدق لها أكثر لوضوحها، فكثر المصدق المؤمن وهو التابع والأمة. وقال الجاحظ: (بعث الله محمداً (ص) أكثر ما كانت العرب شاعراً وخطيباً، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عدة، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته، فدعاهم بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذي يمنعهم من الإقرار، الهوى والحمية دون الجهل والحيرة، حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب ونصبوا، وقتل من عليهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن، ويدعوهم صباحاً ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذباً، بسورة واحدة، أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحدياً لهم بها، وتقريعاً لعجزهم عنها، تكشف من نقصهم ما كان مستوراً، وظهر منه ما كان خفياً، فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف، فلذلك يمكنك ما لا يمكننا. قال: فهاتوها مفتريات، فلم يرم ذلك خطيب ولا طمع فيه شاعر، ولو طمع فيه لتكلفه، ولو تكلفه لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيده ويحامي عليه ويكابر فيه ويزعم أنه قد عارض وقابل وناقض، فدل ذلك على عجز القوم، مع كثرة كلامهم، واستجابة لغتهم، وسهولة ذلك عليهم، وكثرة شعرائهم وكثرة من هجاه منهم وعارض شعراء أصحابه وخطباء أمته، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأفسد لأمره وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه من بذل النفوس، والخروج من الأوطان وإنفاق الأموال. وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات، ولهم القصيد العجيب، والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور، ثم تحدى به أقصاهم بعد أن أظهر عجز أدناهم فمحال ـ أكرمك الله ت أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر، والخطأ المكشوف البين مع التقريع بالنقص، والتوقيف على العجز، وهم أشد الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيد عملهم، وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة، وكما أنه محال أن يطبقوا ثلاثاً وعشرين سنة (مدة رسالته صلى الله عليه وآله) على الغلط في الأمر الجليل المنفعة فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفون ويجدون السبيل إليه، وهم يبذلون أكثر منه. التحدي في خطوات: لقد تحدى القرآن عامة العرب، مذ نشأ بين ظهرانيهم، وهم لمسوه بأناملهم فوجدوه صعباً على سهولته وممتنعاً على يسره، فحاولوا معارضته ولكن لا بالكلام، لعجزهم عنه، بل بمقارعة السيوف وبذل الأموال والنفوس، دليلاً على فشلهم عن مقابلته بالبيان. وربما كانوا بادئ ذي بدء استقلوا من شأنه، حيث قالوا: (لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) وقالوا: (إن هذا إلا قول البشر) وقالوا: (إنما يعلمه بشر) وقالوا: (ما انزل الله على بشر من شيء) إلى أمثالها من تعابير تنم عن سخف وهامهم. لكن سرعان ما تراجعت العرب على أعقابها، فانقلبوا صاغرين، وقد ملكتهم روعة هذا الكلام وطغت عليهم سطوته، متهكماً بموقفهم هذا الفاشل، ومتحدياً في مواضع. (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون. فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين). وحدد لهم لو ياتوا بعشر سور مثله مفتريات فيما كانوا يزعمون (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله). وتصاغراً من شأنهم تنازل أن لو استطاعوا أن يأتوا بسورة واحدة من مثله: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين. بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم). وأخيراً حكم عليهم حكمه البات (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) أن ليس باستطاعتهم ذلك مهما حاولوه وأعدوا له من حول وقوة، لأنه كلام يفوق كلام البشر كافة. والآن وقد حان إعلان التحدي بصورته العامة، متوجهاً به إلى البشرية جمعاء، تحدياً مستمراً عبر الأجيال: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً). وهل وقع التحدي بجميع وجوه الإعجاز، أم كان يخص جانب فصاحته وبلاغته وبديع نظمه وعجيب أسلوبه فحسب؟ ولعله يختلف حسب اختلاف الخطاب.. فحيث كان التحدي متوجهاً إلى العرب خاصة، ولا سيما ذلك العهد، الذي كانت مهنة العرب فيه خاصة بجانب البيان وطلاقة اللسان... فلا جرم كان التحدي حينذاك أيضاً خاصاً بهذا الجانب في ظاهر الخطاب... أما وبعد أن توجه النداء العام إلى كافة البشرية على الإطلاق، فإنه لا بد أن يقع التحدي بمجموعة وجوه الإعجاز من حيث المجموع.. حيث اختلاف الاستعدادات والقابليات... والقرآن معجزة الإسلامن لجميع الأدوار وعامة الأجيال، ولمختلف طبقات الناس، في الفنون والمعارف، والعلوم والثقافات.. التحدي في شموله: وهذا التحدي في عمومه يشمل كل الأمم وكل أدوار التأريخ، سواء العرب وغيرهم، وسواء من كان في عهد الرسالة أم في عهود متأخرة حتى الأبد. اللفظ عام والخطاب شامل ولأن التحدي لم يكن في تعبيره اللفظي فقط ليخص لغة العرب، وإنما هو بمجموعته من كيفية الأداء والبيان والمحتوى جميعاً. كما أنه لم يخص جانب فصاحته فحسب، ليكون مقصوراً على العهد الأول، حيث العرب في ازدهار الفصاحة والأدب. على أن الفصاحة والبلاغة لم تختص بلغة دون أخرى ولا بأمة دون غيرها | |
|